آذار يزهر من جديد

آذار يزهر من جديد


بقلم: د. إيفان أوسي
في زحمة الحياة القاسية وتساقط الأفكار والمبادئ كأوراق الخريف الصفراء، بعد الشقاء الإنساني اللامحدود بمختلف أشكاله، يأتي آذار مرة أخرى بعد شتاء طويل، بارد، مظلم.. آذار هو الحياة الجديدة، الربيع الذي يسمح لنا بالتنفس بحرية واطمئنان دون خوف.
في ربوع الجزيرة السورية، حيث يطل الزرع والبشر في هذا الفصل من تحت قبعة الشتاء إلى عالم النور والفكر. آذار له نكهة خاصة، إنه المرارة والحلاوة، يحمل بين جنبيه عيد نوروز الأزلي، كما يحمل ذكريات الفتنة الماضية المقيتة.
آذار، أيها الثائر، ننتظرك كل عام، لتعلمنا الانقلاب على تعصبنا القومي والطائفي والمذهبي، والتمسك بالبقية الباقية من فكرنا الإنساني الحر.
آذار يدعونا جميعاً إلى التجمع حول طاولة الوطن، مواطنين من الدرجة الأولى، دون استثناءات، يدعونا لنشرب نخب هذا الوطن الممتد من أقصى الجنوب الغربي، حيث ينتظر الجولان الحبيب، إلى أقصى الشمال الشرقي، حيث تقبع القامشلي، مدينة الجمال والحب والتنوع.
نوروز الذي تحتفل به معظم الشعوب الشرقية، هو بداية حياة جديدة، إذ أبى الشاب الحداد "كاوا" أن يكون قرباناً للطاغية المستبد "ازدهاك"، فانتفض عليه، وأشعل النار المقدسة، معلناً بدء عالم جديد خال من الظلم والاستبداد والانهزام، حتى يكون نوروز عيداً وطنياً بامتياز. فإن الطبيعة تدعوكم أيها السوريون، عرباً وكرداً، وكل أصناف الشعب إلى الارتماء في أحضانها، وعناق شمسها. نحتفل اليوم هنا وغداً هناك في سائر أنحاء هذا الوطن الفسيفسائي العظيم.
ولا ننسى أن آذار يعبق بعطر عيدين غاليين على قلوبنا، هما عيد المرأة العالمي وعيد الأم.. نتذكرهما بكثير من الأسى في هذه اللحظات الحرجة من التاريخ الأنثوي، إذ تتعرض المرأة العاملة إلى الإهانة، والصبيّة الحلوة إلى القتل بداعي الشرف، وتتعرض الجمعيات النسائية إلى إهمال الدولة واستبدادها.. آذار العاشق يوزع الأزاهير قُبَلاً على خدود المرأة الأم، والأخت، والحبيبة.
مرة ثانية نقول أهلاً بآذار، وننتظرك العام المقبل، كلنا يد بيد، من أجل ألا يبقى أحد خارج الصورة الفسيفسائية، من أجل ألا يبقى طفل جائعاً أو محروماً من التعليم، من أجل ألا يبقى شاب ممنوعاً من العمل، أو الانتساب إلى الجامعة، من أجل لقمة خبز نظيف، من أجل أن يسعد الوطن بكل أبنائه وبناته ولهم جميعاً.